أحباب الله وأعدائه

أحباب وأعداء الله

  


روى مسلم : (إن الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال : إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل، فيقول : إني أبغض فلانا، فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه ، فيبغضه أهل السماء ، ثم توضع له البغضاء في الأرض)


وهكذا لله أحباب ، وأعداء ، وأحباب الله لهم سلطة وسطوة ، ويشرح ذلك حديث البخاري: (( إن الله تعالى قال : من عادى لي ولياً ، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني، أعطيته، ولئن استعاذني، لأعيذنه ))



ولأهمية هذا الموضوع سنبحث في القرآن عن (إن الله يحب …) و(إن الله لا يحب …) لكي نحاول أن نكون ممن يحبهم الله ، ونتفادى أن نكون ممن لا يحبهم الله


ونبدأ بـ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “


يقول الشيخ راتب النابلسي : “إن (الإحسان) رحب الدائرة، ينتظم عمل الإنسان كله، من المهد إلى اللحد، و(المحسن) في التعريف الدقيق هو الذي يتقن كل عمل يقوم به في حياته، سواء أكانت أعمال دينية، أو دنيوية”


فـجذر (الإحسان) : (حَسِن) بمعنى جيد ، و(إحْسان) بوزن (إفْعال) بمعنى فعل الشيء الحسن ، و(الإحسان) كإطار يضم كل ما تفعل في تفاصيل حياتك اليومية ، وتفعله وأنت تستحضر وجود الله أمامك ، ورؤيته لك ، وعلمه بما تفعل ، فتفعله بطريقه حسِنة


فكر بذلك ، تتكلم (بطريقة حسِنة) ، تقود سيارتك (بطريقة حسِنة) ، عندما تعمل (تتقن عملك) ، عندما تذهب للسوق (لا تسرف ولا تبخل وتكون بين ذلك) …


ثانياً : “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ “


تشتق كلمة (تقوى) من (وقاية) وهي تعني إتخاذ حماية ، من خلال عدم الخوض في صغائر الذنوب بدعوى إستصغارها ، أو عدم ترك السنن والنوافل بدعوى عدم أهميتها 

وقد قال بن رجب رحمه الله : “تقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضب ربه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه”


وقال موسى بن أعين رحمه الله : “المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم الله متقين” .


وقال ميمون بن مهران رحمه الله : “المتقي أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه” 



ثالثاً : “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ” 

و(القسط) هو العدل ، ويشرح ذلك حديث (مسلم) : ((المقسطون على منابر من نور يوم القيامة ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)) 


وقس على ذلك كل ما تحت يديك ، وما لك سلطة عليه ، الخدم ، موظفين ، مراجعين ، حيوانات ، نباتات …



رابعاً : “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ “

(التوبة) من (الأوب) و(الإياب) هو العودة 


ويقول ابن عاشور في تفسيره : أن التوبة تتركب من (علم) ، و(حال) ، و(عمل)

 فـ(العلم): هو معرفة الذنب

و(الحال): هو تألم النفس من ذلك الضرر ، ويسمى ندما

و(العمل): هو الترك للإثم ، وتدارك ما يمكن تداركه ، وهو المقصود من التوبة ، وأما الندم فهو الباعث على العمل ، كما الحديث (الندم توبة)


نعتقد أن التوبة هي فقط عن المعاصي ، لكن بالحقيقة هي تشمل العبادات المضاعة ، والسنن المهجورة 


 والآية واضحة (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)


والسنن ليست ركعتي نافلة أو صيام التطوع فحسب ، وإنما هناك سنن مهملة مهمة بصريح الأحاديث ، مثل : (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة” ، أو (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه، ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزال الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل)))


والتوبة تشمل ترك العمل بأحاديث مهمة مثل هذه ، وليست فقط عن الذنوب



خامساً : ” وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّـهِّرِينَ “

(المطهّرين) هم ليسوا (متطهرين) عاديين ، وإنما الذين يبالغون في (التطهر) ، والتطهر معروف وهو النظافة وتجنب التلوث بالقَذَر


 وهو ذو ثلاث أقسام ، الأول : (التطهر الجسدي) ، وهو الحرص على نظافة الجلد والشعر والثوب والبيت والبيئة وما إلى ذلك


أما الثاني : فهو (التطهر السلوكي) ، من الألفاظ القذرة ، والنظرات ، والأفعال القذرة ، وما إلى ذلك


أما الثالث : فهو (التطهر النفسي) ، من الأنانية ، الحقد ، النوايا القذرة ، الغضب ، وما إلى ذلك


وما أن يتطهر الشخص (جسدياً) و(سلوكياً) و(نفسياً) حتى يصبح من (المطَّهَّرين)



سادساً : “وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ “


و(الصبر) في اللغة هو (المنع) ، ويشير إلى منع النفس من الإنفعال ، بالخوف أو اليأس أو الغضب أو غيره


ولا يوجد أبلغ ولا أجمل من الآية(155)من (البقرة) لتوضيح الصبر وأنواعه وجزاءه : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)


ولكن معظمنا يعتقد أن الصبر يقتصر فقط على الصدمات النفسية والأحداث المأساوية والحرمان والمعاناة الجسدية (أمراض) ، لكنه يشمل كذلك منع النفس عن الشهوات ، وإجبارها على الطاعات 




سابعاً : “إنًّ اللهَ يُحبُّ المتوكّلين “


و(التوكل) هو الإعتماد على الله في جلب الخير ودفع الشر ، مع بذل الأسباب ، وإلا تحول إلى (تواكل)


لكن بالحقيقة أن الأسباب لا قيمة لها ، فالله جعل النار برداً على سيدنا إبراهيم ، وهذا مستحيل فيزيائياً


ولكي نفهم هذا علينا أن نناقش أولاً طلبه ﷻ من سيدتنا مريم هز النخلة لكي يسقط عليها التمر ، وهي إمرأة حامل ضعيفة ، والنخلة ليست شجرة ذات أغصان ، ولا يمكن لرجل قوي أن يهزها لكي تسقط تمرها ، لكن (هزها) كان السبب الذي من خلاله تم جلب الخير ، ولابد أن إبراهيم فعل شيئاً مماثل ومن خلاله مُنعت النار من حرقه


وهكذا فالأسباب مطلوبة ، لكنها غير مهمة ، فالأهم هو رب الأسباب ، وبذلك عندما تتناول دواء ، هو سبب ، لكن الشافي هو الله ، وعندما تقود سيارة ، الذي يوصلك إلى وجهتك هو الله ، وإستحضار هذا الشيء في ذهنك هو (التوكل) ، وهو الذي يجعل الله حسبك : (ومن يتوكل على الله ، فهو حسبه)


وأن يكون الله حسبك ، محتاجة لوقفة ، فـ(الحسب) و(النسب) هما عضديّ الشخص ومصدر قوته ، و(النسب) معروف وهو الأقرباء الذين هم مصدر قوة ، لكن (الحسب) هو الذي تركن إليه في النوازل والمصاعب ، وعندما يكون الله حسبك فأنت أقوى من الأمراء وذوي النفوذ ، ومفتاح أن تحصل على هذا هو (التوكل)



ثامناً : “إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ “


قد يظن البعض أنها تختص بالمقاتلين في أوقات الحروب فقط ، لكن بالحقيقة هي تشمل كل قتال في سبيل الله


 قتال الشهوات والهوى والباطل : النوم عن الصلاة ، عطش الصيام ، كبت الغضب ، وغيره


أما (صفاً كأنهم بنيان مرصوص) فتشير إلى الثبات وعدم الضعف والتزلزل عن موقع القتال 


نحن نخوض معارك في كل يوم ، ضد أنفسنا ، ضد الآخرين ، ضد الظروف . والآية تنبه على أهمية الثبات والوقوف في وجه العدو ، أياً كان ، وتشير إلى أنه يدخلك من ضمن (أحباب الله)


نستهل الآن بمن يكرههم الله


وأولهم : “وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ “


و(الإعتداء) هو إيذاء الآخرين ، إما بلا وجه حق ، أو بالمبالغة فيه ، بدافع الإنتقام والتشفّي وما شابه


وقد جاءت في موضعين ، الأول (المائدة) بعد (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) ، وهنا واضح معناها ، فهي تدعوا للدفاع عن النفس (قاتلوا الذين يقاتلونكم) ، ضد الذين بدأوا بالقتال ، وليس القصد هو قتال الحروب فقط ، بل يشمل كل قتال في حياتنا ضد أي معتدي ، مع ذلك يبقى قتال المعتدي بهدف دفع شره ، وإعلاء كلمة الحق ، وتحقيق العدل ، ورد الحقوق المسلوبة ، بغير مبالغة ، أو إنتقام ، أو إذلال


ثم جاءت الآية (إنه لا يحب المعتدين) في موضع ثاني في (الأعراف) (إدعوا ربكم تضرّعاً وخُفية ، إنه لا يحب المعتدين) ، وهذه محتاجة شرح ، فـ(الإعتداء) هنا مجازي ، لأننا ضعفاء والله هو القوي ، ولا يمكننا أن نضره بأي حال من الأحوال ، لكنه عد (سوء عبادته) تعدّياً عليه ، ومع أنه أشار إلى (التضرع) و(الخفية) في الآية ، وهما (التوسل) و(الدعاء بالسر) كسبيل لعدم التعدّي عليه بالدعاء ، لكن بالحقيقة أن إستعجال الإجابة . أو طلب ما لا يليق طلبه من الله (سيارة فاخرة أو مجوهرات مثلاً) . أو الدعاء على الآخرين بهدف الضحك (الله يلعن شكلك) أو (الله ياخذك) أو (يغربلك) . وغيرها من الممارسات التي تمثّل تعدّياً على الله



ثانياً : “وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ”


(الظلم) هو نقيض (العدل) ، ويعني (وضع الشيء في غير موضعه) كما في (المصباح المنير)


فالتنزيل من شأنك ، ووضع نفسك في موضع منحط ، من الظلم . والتهوين من شأن عبادة ، وتأديتها كعادة ، هو ظلم . وكذلك تعميم الأحكام على الآخرين (هذه الفئة ضالة أو باغية أو غيره) هو ظلم ، فيستحيل أن يكونوا جميعاً ضالين أو باغين أو غيره . 


وقس على ذلك


وإنتبه ، فقد ورد عقاب الظلم في آيات : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً) ، و (وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)



ثالثاً : ” إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ “


(المختال) هو الذي يمشي بعظمة ، (الفخور) هو الذي يشعر بالعظمة ، ونحن هنا أمام مصاب بداء العظمة ، يعتقد أنه فوق الآخرين وأفضل منهم ، فهو لا يجلس إلا في مجالس الـVIP ولا يرتدي إلا الثياب ذات الماركات ، ولا يركب إلا أفخم السيارات ، ولا يستخدم إلا أحدث الجوالات ، وكل ذلك بدعوى الترفع والفخر


رابعاً : “إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ”


(فلنبدء بتوضيح أن (الفرح) مطلوب ، ولكن ليس طوال الوقت ، ولا يجب أن يكون هدف بالحياة 


أن تكرس له أموالك وطاقاتك ، فلا تذهب لمكان إلا لتمرح ، ولا تشتري شيء إلا ليسعدك ، فتصبح طفلاً مدمناً للفرح ، يتحاشى أي موقف أو مكان أو أشخاص لا يثيرون الفرح بداخله


ولذلك حث الرسول على زيارة المقابر ، وحث القرآن على تذكر الأقوام الذين عُذّبوا ، والموت ، وأهوال يوم الحشر ، ولذلك لإضفاء الجدية على الحياة ، وتحديد الأهداف ، وإعادة خلط الأوراق ، ورسم الخطط في هذه الحياة


وتذكر قوله : (قُلْ بًفَضْلً اللّهً وَبًرَحْمَتًهً فَبًذَلًكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْر مًّمَّا يَجْمَعُونَ)



خامساً : “إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ”


يعتقد معظمنا أن (المفسدين) هم الذين يتبعون شهواتهم وما شابه ، لكن بالحقيقة أن (الإفساد) يعني (الإتلاف) و(التخريب) في المعاجم ، وإذا (فسد) الطعام (تلف) 


والآيات حددت أن (الإفساد) في الأرض : (ولا تبغِ الفساد في الأرض ، إن الله لا يحب المفسدين) ، (الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) ، (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) ، (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) وغيرها ، وبذلك يكون (الفساد) المقصود في الآية واقع على الأرض ، وإحدى طرق الفساد الواقع على الأرض هو من خلال تدميرها بيئياً 


وهكذا (إتلاف) البيئة وتخريبها ، من خلال قطع الأشجار ، قتل الحيوانات والطيور عبثاً بهدف المرح ، رمي المخلفات والقاذورات في الأماكن غير المخصص لها ، وغيره ، يعتبر من (الإفساد في الأرض)


وعكسه (الإصلاح) ويتم بالحرص على إعمار الأرض ، وزرعها ، ووضع ماء وطعام للطيور والحيوانات ، وما شابه 






سادساً : ” لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ، إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ، وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا “


والآن توقف لدقيقة واحدة ، وتأمل الشتم واللعن الحاصل هنا بين أبناء المذاهب والقوميات ومحبي الشخصيات الشهيرة أو مبغضيهم


وتذكر (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول)


وحاول أن تحسب حسبة سريعة ؛ كم نسبة الذين لا يحبهم الله اليوم بسبب (الجهر بالسوء) 


لا تبرر بـ (إلا من ظُلم) ، وتجعل الظلم ذريعة لكي تشتم الآخرين


فقد روى أبو داود : أنه سُرق لأمنا عائشة شيء ، فجعلت تدعو على سارقه ، فقال النبي : ” لا تسبخي عنه ” ، بمعنى (لا تخففي عنه) من ذنبه ، حتى لا تحمل بعض ذنوبه بسبب الدعاء عليه 


تخيل


وطريقة دعاء المظلوم ما قال الحسن البصري : (اللهم أعني عليه ، اللهم استخرج حقي منه) 


وهذا كل ما هو مسموح للمظلوم ، بالتوسل إلى الله أن يعينك على إستخلاص حقك منه …


هذا الموضوع حجة عليك ، وعليك الآن أن تتوب ، ثم تجدد إيمانك بتلاوة خواتيم سورة البقرة : (ربنا لا تؤاخذنا) ، وأن تكف عن لعن وشتم أتباع المذهب الآخر ، أو أتباع الديانات الأخرى ، أو أبناء البلد المعادي لبلدك ، أو أياً كان 


وإلا فإستعد أولاً : لأن تكون ممن لا يحبهم الله بسبب جهرك بالسوء . ثانياً : إستعد لأن تخفف عليهم من ذنوبهم




سابعاً : ” إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الخَائِنِينَ” و “إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ”


(الخيانة) كما في (تاج العروس) : “أن يُؤتَمَنَ الإنسانُ فلا يَنصَحَ” بمعنى أن يفعل خلاف ما يقول ، وهو (ذو وجهين) كما يقال ، يظهر خلاف ما يبطن


وهذه جريمة عظمى عند الله ، منع الرسول أن يدافع عمن يرتكبها : (وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)


ولدينا اليوم كم هائل من (الخائنين) بسبب هذه التطبيقات التي تخفي هويات مستخدميها ، فلدينا أشخاص يمدحون على أرض الواقع ، ويشتمون هنا في هذا العالم الإفتراضي خلال حسابات التويتر والفيس بوك والإنستجرام وما شابه . ولدينا أشخاص لديهم حسابات متعددة في نفس التطبيق ، حساب يظهر فيه التُقى ، وحساب يتابع فيه الحسابات الإباحية ، وحساب يشتم فيه الآخرين . وغيرها من ممارسات الناس اليومية في تطبيقات التواصل الإجتماعي


وهناك تحذير سورة الأنفال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون)


وأن عقابهم هو فضح خيانتهم : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ ، فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) 




ثامناً : “إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ “


(السرف) هو مجاوزة الحد ، وهدر الإمكانيات ، مثل : المال ، الماء ، الكهرباء ، الوقت ، الجهد …


فمثلاً عند الشافعي (الإسراف في المال) هو (إنفاقه في غير حقه) ، وقس على ذلك كل ما وهبك الله من إمكانيات ، مثل وقت الفراغ الذي تتململ منه ، فتهدره في الجلوس في مقهى ، أو التسكع في الطرقات ، أو مطالعة التلفزيون أو برودكاستات لا فائدة منها


كل إمكانية هي منحة من الله ، وليست متوفرة للجميع ، لكنه أعطاها لك ليرى ماذا ستفعل فيها ، وأنت مسئول ومحاسب عنها


وهذا التبذير والإسراف الذي يتباهي به الناس اليوم ، ويعد من الأشياء التي يتفاخرون ويتنافسون في إظهارها ، هو ليس أمراً غير أخلاقياً فحسب ، وإنما محرم حسب أبوحنيفة ومالك والقرطبي ، بصريح الآية (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) ويؤثم صاحبه ، ولو مات عليه حوسب حساباً شديداً ، مصداقاً لحديث البخاري : (كان رجل يسرف على نفسه ، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني ، ثم اطحنوني ، ثم ذروني في الريح ، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً …)


وأكرر هو لا يختص بالمال فقط ، مصداقاً للحديث ؛ (لا تسرفوا بالماء ولو كنتم على نهر جاري) ، مع ذلك هذا الحديث لا يختص بالماء فقط . هو لا ينبه على أن الإسراف غير مرتبط بالموارد القابلة للنضوب ، فالحديث يحظر الإسراف في إستخدام ماء النهر الجاري ، والنهر الجاري لن ينفد بسبب الإسراف ، لكن التوفير والإستخدام الحكيم هو ملزم في الإسلام ، بغض النظر عن تأثيره على المورد الأساسي


والماء مجرد إمكانية ، والمال كذلك ، والوقت ، والوتس أب ، والفيس بوك ، والسناب شات ، وغيرها ، وستُسئل عنه ، وعما فعلت به



تاسعاً : “إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ “


(الإستكبار) هو تضخيم الذات ، ومع أنه مرتبط بالمال والنسب والقومية وغيره ، إلا إنه قد ينبع من الداخل بلا أي محفِّز ، فهناك الحديث : (ثلاثة لا يكلمهم اللَّهُ يوم القيامة : … وعائل مستكبر) ، وبهذا لدينا (فقير) مع ذلك هو متعالي ، هو مثل جاهل ينتقد العلماء ، أو قبيح يتباهى بجماله … وغيره


ووالله يبغض هذه الفئة المتضخمة ذاتياً ، والتي تنظر لنفسها بأنها أفضل من الآخرين ، فيخجلون أن يلبسوا مثل الذين أقل منهم شأناً ، أو يركبون سياراتهم ، أو يسكنون في مساكنهم ، أو يجلسون في أماكنهم


وكما ورد في حديث مسلم : (الكبر : بطر الحق ، وغمط الناس) ، (بطر الحق) هو معارضة الحق إذا خالف هواه وممارساته اليومية ، و(غمط الناس) هو إحتقارهم ، بسبب الفقر ، الطبقة ، الجنسية (بنغالي أو غيره) ، المستوى التعليمي ، القبح ، السمنة …



أخيراً : ” وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ كَفّارٍ أَثِيمٍ “


أولاً : (الكافر) هو الجاحد المنكر للنعمة ، و(كفّار) هي صيغة مبالغة ، بمعنى الشخص الكثير الكفر والجحود 


ثانياً : (أثيم) فاعل (إثم) ، و(الإثم) جريمة ما (بحق الله أو نفسه أو الآخرين …) ، و(الأثيم) هو مرتكب هذه الجريمة


والآية تحدد أن الله يبغض المصر على الجرائم (التي سبق ذكرها أو غيرها) ، المستمر بها 



أضف تعليق