من أهم أساليب الله للتمحيص عن القلوب وفرز العباد هي الفتن ؛ (أ لـ مـ ، أحسب الناس أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون) ، (ونبلوكم بالخير والشر فتنة) ، (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات ، وبشر الصابرين) ، وغيرها
وهذه الفتن لا تأتي للتمحيص والفرز فحسب ، وإنما أحياناً تأتي كصفعة لتوقظنا من سباتنا ، أو كركلة تعود بنا إلى الطريق الصحيح ، وبذلك هي تعتبر إحدى مظاهر رحمة الله إذا نظرنا إليها من هذا المنظور
عموماً ، وكما قلت ؛ يمتحننا الله بالفتن ليرى هل سننجح بالإختبار أم سنرسب
لذلك ولخوف الرسول ﷺ علينا ، تحدث كثيراً عن الفتن التي ستصيب أمته ، مثل التي ذكرتها مؤخراً في مواضيعي السابقة
وهو عندما يخبرنا عنها كان يهدف لتحذيرنا منها ، لأنها ستخرج الكثيرين من دائرة الإيمان إلى الكفر ، كما تقدم معنا في الحديث : ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا))
ولكن في رأيي أخطر الفتن التي تكلم عنها الرسول ﷺ هي ما سنتحدث عنه اليوم ، لأنها فتنة ستصيب عمق الإسلام نفسه ، وسيتحول إلى شيء غير الذي نادى به الرسول ﷺ
وأعني حديث مسلم : ((بدأ الإسلام غريباً ، وسيعود كما بدأ غريباً ، فطوبى للغرباء))
مع أن الحديث يبشرنا بعودة لأن نكون خير أمة ، بعد تيه وشتات ، إلا أنه كذلك يتحدث عن وضع سيصيب المسلمين ، حيث سيصبحون غريبين
والغريب هو الشيء المستهجن ، المستنكر ، غير المألوف ، خارج دائرة المتعارف عليه
فكيف سنصبح كمسلمين غريبين منبوذين نفعل شيء مستنكر ، ونحن نعيش في بلاد إسلامية؟
عم يتحدث الحديث ، كيف سنصل إلى هذا الوضع؟ ماذا سيحدث؟
إذا أردنا أن نجيب على هذه الأسئلة علينا أن نعود ألف وثلاثمائة عام للوراء ، لننظر كيف بدأ الإسلام ، غريباً
كان المسلمين الأوائل مُحاربين وتم تعذيبهم وقتلهم ، لسبب واحد ، وهو أنهم مختلفين
وإلاّ ؛ فماذا يضر سيد غني لو أسلم خادمه ، ما هي أهمية بلال الحبشي أو آل ياسر أو خباب بن الأرت أو عامر بن فهيرة ويسار أبو فكيهة بالنسبة للأرستقراطيين القرشيين
تخيّل أن هناك دعوة لدين جديد في بلدك ، وتخيّل أن عمال النظافة والفقراء يتبعونه ، ماهي أهميتهم حتى يذهب تجار بلدك والوزراء إلى الصحراء فيعذبونهم ويضعون حجراً ملتهب على صدورهم حتى يعودوا عن دينهم
لكي تفهمون هذا الغضب الجماعي ضد المتفردين (أصحاب الرأي المنفرد ضد الرأي الجمعي) يجب أن أشرح لكم (نظرية سلوك القطيع) : هل رأيت قطيع من الثيران يركضون خلف قائدهم بلا تفكير ، هذا باختصار نظرية السلوك الجمعي
يتعلم الإنسان سلوك القطيع من خلال ما يُعرف بالتعلم الإجتماعي
Social learning
ويتمثل بالتعلم من خلال ملاحظة تصرفات الآخرين ، ثم محاكاتها ، بهدف قبوله إجتماعياً
http://youtu.be/NjTxQy_U3ac
حاول أن تفكر بموضوع يتم ترديده بالصحف ووسائل الإعلام ، فتصبح مقتنعاً به بسبب تكرار ذكره ، مثلاً هذه الجماعة فاسدة ، هذه الدولة شريرة ، هؤلاء أصدقاء ، أولئك أعداء …
بعد فترة من تكرار سماع ذلك ، تصبح مقتنعاً به ، وتدافع عنه بقوة ، وتكره وتحب تباعاً له ، مع أنهم أوهموك به ، وهو ليس قرارك ، ولا أفكارك . لكن تم غرسه في عقلك عميقاً حتى ظننت أنه من إستنتاجك ونتاج أفكارك ، ولو حاولت مناقشته الآن ستتلاحق أمامك صور الميديا التي زرعته برأسك
إذا أردت أن تعرف مدى ملاحقة شخص للقطيع من إبتعاده عنهم ، إنظر إلى مدى تعصبه للأشياء ، مدى هوسه بشراء أشياء ثمينة ، كلها هذه تبين مدى محاولته للإندماج مع الآخرين في مجموعة محددة ، والبحث عن قبولهم له
http://youtu.be/AaRjiCosGic
لا تتعجب ، فنحن في جميع أمورنا من ضمن قطيع ما يركض إلى وجهة ما ؛ الموضة مثلاً . الذوق العام . وجهات السياحة . الأشياء التي تشتريها . الأفكار ؛ هذه رجعية ، هذه تقدمية
مع أن هذا السلوك الجمعي يعتبره الكثيرون شيء جيد ويعبّر عن الإنتماء لمجموعة ؛ عرقية ، قومية ، وطنية ، دينية …
إلا أنه ذو تأثير سيء على الفكر الفردي ، لاحظ الآية من سورة سبأ : ((قل إنما أعظكم بواحدة : أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جِنّة ، إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد))
وهكذا تطلب الآية من الكفار أن يفعلوا شيء واحد (إنما أعظكم بواحدة) : أن يجلس كل منهما بمفرده ، أو يجتمع شخصين بحد أقصى ، ثم يفكروا
وإن كان الشخص بمفرده فسيفكر بدون تأثير خارجي وسيحكّم منطقه الخاص ، أما إن كانا شخصين فسيكون هناك نقاش وحوار وسيتغلب المنطق
المشكلة في العدد ثلاثة وأكثر ، حيث يتم تقديم قائد تلقائياً ، ويتراجع متابعون ، وتبدأ المسيرة خلفه
ونحن في زمان معقد جداً ، حيث القائد عبارة عن جهاز يبث على مدار الساعة ، هو يخبرنا ماذا نعتقد ، كيف نفكر ، ماذا هو الخطأ ، الصواب ، العيب ، المسموح به ، الممنوع
وهكذا ، حسب الحديث (سيعود الإسلام غريباً كما بدأ) سيكون سلوك القطيع موجه ضده كما كان في قريش ، وسينظر الناس بريبة إلى من يصلي بالمسجد ، أو يصوم رمضان ، أو ترتدي حجاب …
وهذا الوضع ليس بغريب جداً علينا ، فمن عاش في مصر أثناء إتهام جماعة الأخوان المسلمين بالعمالة والخيانة ومحاولة قلب نظام الحكم ، رأى كيف يمكن للحية أو حجاب أن تزج بك بالسجن أو تعرضك للتحقيق والمضايقة
وبالحقيقة أن اليوم كل جماعة أو منظمة إسلامية ، هي إرهابية ، بدرجة ما ، وعما قريب ستصبح اللحية والحجاب والصلاة في المسجد تهمة ، وسيتجنبها الناس خوفاً من السلطات
هل فهمت معنى الحديث الآن :
(بدأ الإسلام غريباً ، وسيعود كما بدأ غريباً ، فطوبى للغرباء)
https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2015/05/05/china-orders-muslim-shopkeepers-to-sell-alcohol-cigarettes-to-weaken-islam/
https://en.m.wikipedia.org/wiki/List_of_designated_terrorist_groups